عجلة الانتقام ومقصلة التخوين تدور الآن بلا رحمة بين أبناء الشعب الواحد، وهذا يمثل منتهى الخطر على مكاسب ثورة يناير، هناك سيف أعمى يدور طالباً البتر وقطف الرؤوس بلا تمييز، أنا أتحدث عن المواطن العادى ولا أتحدث عن نجوم الفساد ورؤوس النظام، فهؤلاء لابد أن نترك النائب العام يبحث فى كم النهب والسلب الذى استولى عليه هؤلاء القراصنة ثم نحاكمهم قضائياً، ولابد ألا يسيل لعاب الإعلام بشكل هستيرى ليتحول من أداة إعلام وأخبار إلى منصة قضاء.

أزعجتنى جداً حوارات دارت بينى وبين بعض الزملاء من الأطباء، الذين طلبوا الانضمام إلى قائمة «أطباء متضامنون»، يحدثنى طبيب معترضاً على اسم زميل فأسأله عن السبب، فقال لأن زوجته كانت تعرف وزيرة على علاقة بسوزان مبارك!!، وآخر يصرخ محتجاً على أن هناك طبيباً منضماً قد كشف فى يوم من الأيام على أحد أفراد بيت الرئاسة!.. إلخ، أقلقنى هذا النوع من الحوار، وهذه اللهجة التخوينية التربصية التى تسعى للانتقام والشطب والهدم، ولا تسعى للتسامح والحب والبناء.

كانت هناك بنية تحتية من الكفاءات البشرية العظيمة فى مصر مثلما كان هناك فاسدون وملوثون ينهشون فى هذه البنية وينشرون فيها السوس، ولا يصح إغفال هذه الكفاءات لمجرد أنهم كانوا يعملون فى مكتبة تحمل اسم مبارك أو مجالس متخصصة أو مجلس أعلى للثقافة أنشئ فى عهده، مثلما لا يجدى تخوين كل من كان يعمل فى مجلس أعلى لطفولة أو مجلس قومى لمرأة، أو نشر كتاباً فى سلسلة تحت رعاية سوزان مبارك.. إلخ، لابد لهذه اللغة العصبية المتشنجة التخوينية المتربصة أن تهذب بعض الشىء، ولابد من طرح التشفى جانباً لكى ينهض هذا الوطن، فغريزة التشفى والثأر إذا اشتعلت ستعطل كل شىء، فالحضارة وجدت حلاً آخر لمثل هذه الغرائز المنطلقة، وجدت متنفساً آخر لهذا البراد الذى يغلى، الحل هو سيف القانون وليس سيف التشفى.

دعونا نطوى صفحة الماضى ونبدأ حياة جديدة تتناسب مع هذا المكسب الرائع الذى حققته ثورة يناير، لا يعنى هذا أن نغفل الحساب والعقاب، ولكن لنترك العقاب يأخذ طرقه وأساليبه ووسائله القانونية التى لها أهلها، لابد أن تكون موجتنا على نفس موجة الثورة الشبابية، فالإصلاح السياسى دون تغيير عقليات وسلوكيات لا يمكن أن يترجم إلى نهضة اقتصادية، عقلية قبول الآخر والاستنارة واحترام المنهج العلمى والدين والضمير، سلوك حب العمل وعشق الشغل والتمرد على العمل المكتبى وخروج الموظف المصرى من تصنيف جينس العالمى، بصفته يعمل نصف ساعة فى اليوم!!